استضاف مجلس المستشارين بالرباط يوم الأربعاء 11 يونيو 2025، ندوة وطنية هامة تحت شعار “الاستثمار والتشغيل والتحول البنيوي في المغرب: نحو حكامة ترابية جديدة دامجة”. تأتي هذه المبادرة في إطار سعي المغرب لإعادة التفكير في منظومة الاستثمار والتشغيل، بهدف بناء رؤية تنموية ترتكز على العدالة المجالية، والنمو المستدام، والإدماج الاجتماعي.
شهدت الندوة مشاركة واسعة من المسؤولين الحكوميين، والفاعلين الاقتصاديين، والخبراء الأكاديميين، وممثلي المؤسسات الدولية، والمنتخبين الجهويين، بالإضافة إلى الباحثين المهتمين. وقد شكل هذا اللقاء محطة للتفكير الجماعي حول سبل تقييم السياسات العمومية في مجالي الاستثمار والتشغيل، واستشراف آفاق التأسيس لرؤية استراتيجية متجددة، قادرة على استيعاب التحديات البنيوية المرتبطة بالتنمية الترابية والعدالة الاجتماعية.
تضمنت الندوة ثلاث جلسات رئيسية تناولت جوانب متعددة من العلاقة بين الاستثمار والتشغيل والتنمية الترابية. ركزت الجلسة الأولى على السياسات الماكرو-اقتصادية ومناخ الاستثمار وديناميات التشغيل. حيث تم تحليل الترابط البنيوي بين الاستراتيجيات الماكرو-اقتصادية الكلية وسوق الشغل. أكد السيد رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، على أهمية القطاعات الواعدة لكسب تحدي الاستثمار الدامج والمستدام، مشيداً بالنمو الهام للصادرات المغربية. من جهته، تطرق السيد محمد تعموتي، مدير الدراسات الاقتصادية ببنك المغرب، إلى دور السياسات الماكرو-اقتصادية في تطوير الاقتصاد الوطني وخلق فرص الشغل، مؤكداً على أهمية تعزيز ثقة الفاعلين الاقتصاديين من خلال استقرار السياسات النقدية. كما أشار ممثل البنك الدولي بالمغرب العربي ومالطا، السيد Javier Diaz Cassou، إلى ضرورة إعادة توجيه الاستثمارات نحو القطاعات المنتجة للشغل، وشدد على أهمية الانتقال من القطاعات ذات القيمة المنخفضة إلى أخرى ذات إنتاجية عالية، والرهان على المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعتبر أكبر منتج لفرص الشغل.
الجلسة الثانية تمحورت حول الاستثمار والحكامة والنوع الاجتماعي والدينامية الترابية، كأوجه التقاء لتحسين الشغل الدامج في المغرب. تطرقت هذه الجلسة إلى أبعاد الحكامة الترابية وأثرها في تحقيق عدالة مجالية في توزيع فرص الشغل، مع التركيز على الفئات الهشة. وأكدت السيدة وفاء عصري، الكاتبة العامة لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والتشغيل والكفاءات، أن الفروقات المجالية تعتبر أبرز التحديات التي تواجه السياسات العمومية اليوم. كما أشار السيد إبراهيم بنموسى، الكاتب العام للوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، إلى أهمية تتبع مردودية الاستثمار العمومي وربطه بأهداف التنمية، منوهاً بالانعكاس الإيجابي لميثاق الاستثمار الجديد على الاستثمار ببلادنا.
أما الجلسة الثالثة، فقد خصصت لموضوع الإطار القانوني والمؤسساتي للاستثمار والتشغيل، ومكامن الخلل وسبل الإصلاح. سلطت هذه الجلسة الضوء على الإشكاليات التشريعية والتنظيمية التي تعيق الانسيابية في المساطر الإدارية وتحد من نجاعة الاستثمارات. استعرض السيد إسماعيل البصري، مدير تبسيط المساطر ورقمنة الإدارة بوزارة الانتقال الرقمي والإصلاح الإداري، العراقيل الإدارية التي تعترض المستثمرين، ملحاً على ضرورة تبسيط المساطر الإدارية وتسريع الرقمنة. من جهته، تطرق السيد منصف كتاني، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى المؤشرات المقلقة التي تعكس صعوبة المقاولة المغربية، ما يبرز مكامن الخلل المؤسساتية والإكراهات القانونية التي قد تعرقل التوجه الاستثماري للمغرب.
وفي ختام أعمالها، خلصت الندوة إلى مجموعة من التوصيات الهامة، شملت: تكريس مفهوم الدولة الترابية لضمان تفعيل آليات اللامركزية، وبلورة خارطة طريق للإصلاح تربط بين الاستثمار والتشغيل، وتحقيق التكامل بين الاستراتيجيات القطاعية، وإعادة هيكلة منظومة الدعم العمومي للاستثمار وربط التحفيزات بالقدرة على توفير فرص شغل لائقة ومستدامة. كما دعت التوصيات إلى إعمال مبدأ النوع الاجتماعي في السياسات الاستثمارية، وتطوير المنظومة القانونية للتشغيل، وتعزيز الرقمنة والحكامة الترابية، وتثمين دور الجامعة المغربية وملاءمة التكوينات الجامعية مع حاجيات سوق الشغل. هذا بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية، ومواكبة التحول الهيكلي للاقتصاد المغربي، وتقوية اللامركزية والجهوية في التخطيط، وإرساء لوحة قيادة رقمية وإحداث مرصد جهوي للاستثمار والتشغيل.
سعد بوعشرين
رئيس المعهد الدولي للحكامة