في ظل تزايد أهمية المياه كسلعة استراتيجية عالميًا، اتخذ المغرب خطوة استباقية لتعزيز أمنه المائي عبر مشروع ضخم لتحلية مياه البحر في الدار البيضاء. يُنتظر أن تصبح هذه المحطة، التي حظيت بمساهمة مالية إسبانية قدرها 340 مليون يورو، الأكبر من نوعها في إفريقيا، مما يعكس طموح المملكة وسعيها نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المورد الحيوي.
شهدت الدار البيضاء، المدينة الحيوية التي تواجه تحديات متزايدة في توفير المياه لسكانها المتناميين، مراسم توقيع اتفاق مالي “هيكلي” بين المغرب وإسبانيا. يهدف هذا الاتفاق إلى تمويل بناء محطة تحلية عملاقة ستلبي احتياجات أكثر من 7.5 ملايين نسمة، بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 887 مليون يورو.
يعكس هذا المشروع، الذي تنفذه شركة “أكسيونا” الإسبانية بالشراكة مع شركتين مغربيتين تابعتين لمجموعة “أكوا”، مستوى الثقة المتنامي بين الرباط ومدريد. وقد أكدت كاتبة الدولة الإسبانية في التجارة على أن هذا المشروع يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة، والابتكار، والإدارة المستدامة للموارد المائية، بالإضافة إلى اعتماده على الطاقة المتجددة. وأشارت إلى أن إسبانيا خصصت ثلاثة أدوات مالية لدعم هذا المشروع الحيوي، بما في ذلك قرض كبير من صندوق دعم تدويل الشركات الإسبانية، وضمان من وكالة ضمان الصادرات الإسبانية، ومساهمة من صندوق الاستثمارات الخارجية.
تعتبر محطة الدار البيضاء جزءًا من رؤية استراتيجية مغربية بعيدة المدى تهدف إلى تحقيق السيادة المائية. وقد أوضحت وزيرة المالية المغربية أن هذه المحطة تعد من أبرز المشاريع ضمن خطة البلاد لضمان إدارة مستدامة للمياه، والتي تتضمن إنشاء أكثر من 20 محطة تحلية لإنتاج 1.7 مليار متر مكعب من المياه الصالحة للشرب بحلول عام 2030، مقارنة بـ 320 مليون متر مكعب حاليًا.
وقد تم اختيار موقع المحطة في منطقة “لمهارزة الساحل” بالقرب من الجديدة. ووفقًا لمصادر من “أكسيونا”، فقد بلغت نسبة إنجاز الأشغال، التي انطلقت في يونيو الماضي، حوالي 20%. ومن المتوقع تسليم المرحلة الأولى من المشروع، بطاقة إنتاجية تبلغ 548 ألف متر مكعب يوميًا، في فبراير 2027، على أن تكتمل المرحلة الثانية بطاقة إضافية قدرها 274 ألف متر مكعب يوميًا في غشت 2028.
تُظهر هذه الشراكة الاقتصادية المتنامية بين المغرب وإسبانيا الأهمية التي توليها الشركات الإسبانية للسوق المغربي. فوفقًا لوزارة التجارة الإسبانية، تنشط أكثر من 350 شركة إسبانية في مشاريع مغربية تساهم في خلق فرص العمل ودعم الاقتصاد المحلي. ويبدو أن مشروع محطة تحلية الدار البيضاء يمثل مرحلة جديدة في هذه العلاقات، تقوم على تبادل التكنولوجيا والتمويل مقابل تعزيز الأمن المائي.
يمثل هذا المشروع أكثر من مجرد استثمار في البنية التحتية للمياه؛ إنه استثمار في استقرار المغرب وأمنه الغذائي وسيادته الوطنية. وتستمر المملكة المغربية، تحت قيادة الملك محمد السادس، في رسم مستقبلها بخيارات استراتيجية وعملية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والازدهار.