في تطور مفاجئ وسابقة خطيرة، بث التلفزيون الرسمي الجزائري، يوم الجمعة 2 ماي 2025، بياناً شديد اللهجة ومليئاً بالشتائم والعبارات المهينة ضد دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها. هذا الهجوم العلني وغير المسبوق يأتي على خلفية مقابلة تلفزيونية أجرتها قناة “سكاي نيوز عربية” الممولة إماراتياً مع مؤرخ جزائري، يعكس في حقيقة الأمر حالة من العداء المتصاعد من قبل النظام الجزائري تجاه الدولة الخليجية خلال الأشهر الأخيرة. وقد أثارت فظاظة الأوصاف الصادرة عن المنبر الإعلامي الرسمي الجزائري مخاوف جدية بشأن الحالة النفسية للرئيس عبد المجيد تبون.
خلال بيان استغرق خمس دقائق كاملة وبُثّ مصحوباً بصور على نشرة الأخبار الرئيسية، لم يتوان التلفزيون الجزائري الرسمي عن استخدام أشد العبارات تحقيراً بحق الإمارات العربية المتحدة وقادتها، واصفاً إياها بـ “دويلة” و “كيان مصطنع” و “أقزام”. هذه الأوصاف المقززة تكررت عدة مرات في سياق يعكس غضباً رسمياً غير مسبوق.
تعود جذور هذه الأزمة العلنية إلى مقابلة أجرتها قناة “سكاي نيوز عربية” مع المؤرخ والأستاذ الجامعي الجزائري محمد الأمين بلغيث، حيث أبدى رأيه الشخصي المثير للجدل حول أصول الأمازيغ، معتبراً أن الأمازيغية مجرد “صناعة إيديولوجية من قبل المستعمر لفصل دول المغرب الناطقة بالفرنسية عن بقية العالم العربي”. ورغم محاولات الصحفية لتصحيح مسار الحوار، أصرّ بلغيث على إنكار الوجود الأمازيغي، وهو ما اعتبره الكثيرون إنكاراً للواقع وتكريساً لرواية وطنية أحادية يروج لها “النظام” في الجزائر.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو “جُرم” الإماراتيين الذي استدعى هذا الهجوم العنيف من النظام الجزائري؟ يبدو أن “الذنب” الوحيد للإمارات هو أن قناة “سكاي نيوز عربية” التي استضافت المؤرخ الجزائري ممولة من أبو ظبي. وقد استغل النظام الجزائري هذه الواقعة كذريعة للانقضاض مباشرة على الدولة الإماراتية وقيادتها ومؤسساتها.
المثير للقلق أن المسؤول عن هذا البيان التحريضي، الذي قُرئ في نشرة الثامنة على التلفزيون الجزائري الرسمي ومُرفقاً بصور، لم يكن سوى رئاسة الجمهورية نفسها، عبر مديرية الاتصال التابعة لها برئاسة كمال سيدي سعيد، المستشار النافذ للرئيس تبون.
ويبدو أن الرئاسة الجزائرية استغلت موجة الغضب التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي رداً على تصريحات المؤرخ، لترى فيها فرصة لتصوير النظام على أنه متماهٍ مع “الرأي العام” المحلي، رغم أن هذا الأخير لا يزال يعاني من فتور في علاقته بالسلطة.
لكن هذه المحاولة اليائسة لكسب ود الشارع دفعت بالنظام إلى ارتكاب سقطة دبلوماسية خطيرة، حيث لجأ إلى استخدام ألفاظ مبتذلة لا تليق بدولة ذات سيادة تحترم نفسها في معرض هجومها على دولة أخرى ذات نفوذ إقليمي ودولي. فوُصف قادة الإمارات مرتين بـ “الأقزام”، ووُصفت بلادهم تسع مرات بـ “الدويلة المصطنعة”. وبلغت حدة الخطاب ذروتها عندما وصفت المذيعة مقابلة بلغيث بأنها “تصعيد إعلامي خطير من الدولة المصطنعة الإماراتية التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء فيما يخص وحدة وهوية الشعب الجزائري”.
وتمادى البيان الرسمي في وصف ما حدث بأنه “هجوم خطير على المبادئ المتجذرة للشعب الجزائري، ومحاولة للتشكيك في أصله وتاريخه العميق”، مضيفاً بلهجة تهديدية أن “هجوم الدولة المصطنعة الإماراتية على الجزائر، التي لها تاريخ مقاومة، ليس سوى محاولة يائسة لكيانات هجينة تفتقر إلى الجذور والسيادة الحقيقية”.
وفي صيغة تهديد صريح، تباهى النظام الجزائري بتضحيات “ملايين الشهداء من أجل وحدة البلاد”، مؤكداً أن “التحريض الإعلامي الذي يمس بهوية الشعب الجزائري لن يمر دون عقاب، أخلاقياً وشعبياً”! واختُتم البيان بتأكيد أن الجزائر سترد فوراً على هذا “العدوان” الإماراتي.
تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها النظام الجزائري دولة الإمارات، لكن حدة الخطاب وبثه عبر قناة رسمية يمثل تصعيداً خطيراً وغير مسبوق في طبيعة هذه الخلافات. ففي السابق، اتخذت الهجمات طابعاً غير مباشر أو عبر وسائل إعلام محسوبة على النظام.
ويُذكر أن المجلس الأعلى للأمن الجزائري كان قد عقد اجتماعاً في 10 يناير 2024، بحضور الرئيس تبون ورئيس أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، “للتعبير عن أسفه إزاء تصرفات معادية للجزائر من طرف دولة عربية شقيقة”، في إشارة واضحة إلى الإمارات. كما سبقت هذا الاجتماع حملات إعلامية شرسة ضد الدولة الخليجية عبر صحيفتي “لكسبريسيون” و “الخبر” في ماي 2023، وقضية “الطرد الوشيك” لسفير الإمارات في الجزائر التي نفتها وزارة الاتصال لاحقاً في يونيو من نفس العام.
لكن الهستيريا الرسمية الموجهة هذه المرة ضد الإمارات بلغت مستويات غير مسبوقة من حيث الفظاظة والاعتراف العلني بها عبر التلفزيون الرسمي. هذا المستوى المنحط من الشتائم لا يليق بدولة، ولا يمكن تفسيره إلا في سياق ردود الفعل الهستيرية ونوبات الغضب الحادة التي اعتاد عليها الرئيس الجزائري.
إن الحالة النفسية للرئيس عبد المجيد تبون تثير قلقاً متزايداً. فبين التراجعات الوهمية التي نسبها لإسبانيا في ملف الصحراء، وجنون العظمة بإعلانه الجزائر “ثالث قوة عالمية”، والتصريحات غير المنطقية حول تحلية 1.3 مليار متر مكعب من مياه البحر يومياً، واندلاع الأزمات مع معظم الدول المجاورة، وتدهور العلاقات غير المسبوق مع فرنسا، وصولاً إلى هذه الشتائم الغاضبة ضد الإمارات والدعوة إلى “تعبئة عامة”، تتراكم المؤشرات التي تطرح أسئلة جدية حول القدرات الذهنية للرئيس الجزائري وتثير مخاوف حقيقية من أن يقود تهوره إلى إشعال فتيل التوتر في المنطقة بأكملها.
الإمارات ترد بـ “استغراب” على “تصريحات تبون الصبيانية”
في أول رد رسمي من دولة الإمارات العربية المتحدة على التصريحات الجزائرية المهينة، أعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإماراتية عن استغرابه من “سلوك التصريحات الجزائرية” دون الإشارة إليها بشكل مباشر.
وأكد المتحدث، عبر حسابه على منصة “إكس”، أن هذا السلوك غير مقبول، مشدداً على أن الإمارات لن تتردد في صد أي تصادم مع الجزائر، معتبرة أن الموضوع يتعلق بالمصلحة الوطنية وعدم التسامح مع التجاوزات.
من جهته، نقلت مصادر إعلامية عن مستشار ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، تعبيره عن استغرابه من تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وأضاف المصدر أن قيام دولة بمثل هذه التصريحات المباشرة يستدعي رداً رسمياً يتسم بالحكمة الدبلوماسية والسياسية التي تتطلبها القضية.
وكان الرئيس الجزائري تبون قد وصف سلوك “تلك الدولة” – دون تسميتها – بأنه غير منطقي، مشيراً إلى أنها “تضر بشكل متعمد بعدم استجابتها للمطالب”، وتبعها بتوجيه أموالها نحو “إطالة الصراع في عدد من الدول مثل ليبيا والسودان وغيرها”.
وتشهد العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والجزائر توتراً متزايداً، ما أدى إلى أزمة دبلوماسية وسياسية كبيرة بين البلدين، تجلت أبرز مظاهرها في قمة سانت بطرسبرغ في روسيا عندما رفض الشيخ محمد بن زايد مصافحة أو التحدث مع عبد المجيد تبون على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي.
يبقى أن نرى كيف ستتطور هذه الأزمة الدبلوماسية الخطيرة وما هي الخطوات التي سيتخذها الطرفان في الأيام القادمة. لكن المؤكد أن هذا التصعيد غير المسبوق من الجانب الجزائري يضع المنطقة على صفيح ساخن ويثير تساؤلات مقلقة حول مستقبل العلاقات العربية البينية.