في تحرك نادر يعكس وحدة صفوف المعارضة المغربية، اتفقت أبرز الأحزاب، بما فيها حزب التقدم والاشتراكية (PPS)، وحزب العدالة والتنمية (PJD)، والحركة الشعبية (MP)، ولاحقًا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (USFP)، على تفعيل آلية دستورية لإنشاء لجنة تحقيق برلمانية. الهدف المعلن: التدقيق العميق في آليات الدعم العمومي التي وجهت لعمليات استيراد الماشية منذ عام 2022، وذلك على خلفية تزايد الشكوك حول جدوى هذه الإعانات وتأثيرها الفعلي.
وقد استندت الأحزاب الموقعة على طلبها الرسمي، الذي وُجه لرئيس مجلس النواب يوم الأحد الماضي، إلى مقتضيات الفصل 67 من الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بلجان التحقيق البرلمانية. وتسعى المعارضة من خلال هذه الخطوة إلى تحليل معمق للوثائق المتعلقة بالإعانات، وتحديد المستفيدين منها بدقة وفقًا لمعايير واضحة، والتحقق من مدى احترام مبادئ العدالة والشفافية في توزيع هذه الأموال.
بيان حكومي يثير عاصفة من الانتقادات
الشرارة التي أشعلت فتيل هذه المطالبة القوية بالتحقيق كانت البيان الأخير لوزارة الفلاحة، الذي صدر بهدف توضيح ملابسات عملية استيراد الأغنام المدعومة من الدولة. هذا البيان لم ينجح في تهدئة المخاوف، بل أثار حفيظة أحزاب المعارضة بشكل كبير. النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، سلوى البردعي، كانت من أشد المنتقدين، حيث اتهمت البيان بـ “الكذب والتضليل” و”محاولة فجة للتلاعب بالمواطنين بأرقام وهمية ومعطيات محرفة”. وتساءلت البردعي عن صمت الحكومة المطول تجاه “الكشوفات المتفجرة حول الـ 13 مليار التي ابتلعت دون نتائج”، معتبرة أن خروجها عن صمتها جاء بـ “نسيج من التقريبات”. ولم تستثنِ البردعي تناقضات الأغلبية الحكومية نفسها، مستشهدة بتصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال حول “التبذير”، وتصريحات وزير الصناعة التي تقلل من عدد المستفيدين، والتكذيبات الصادرة عن رئيس مجلس النواب.
وترى البردعي أن القضية تتجاوز مجرد الإعانات، لتكشف عن “فشل سياسة زراعية بأكملها”، مشيرة إلى أن “مخطط المغرب الأخضر ومخطط الجيل الأخضر قد أنتجا كارثة”. وتضيف أن الحكومة تفضل “تضليل الرأي العام بأرقام كاذبة” بدلًا من تحمل مسؤولية هذا الفشل، مؤكدة أن “كل درهم من هذه الإعانات يأتي مباشرة من جيب المغاربة”، وأن ما يقدم لهم في المقابل هو “حسابات مزورة، وتبريرات فارغة، وازدراء تام لحقهم في الشفافية”.
أوزين يشن هجومًا لاذعًا على الحكومة
من جهته، استعمل الأمين العام للحركة الشعبية، محمد أوزين، لغة قوية في انتقاد أداء الحكومة. ففي مقال نشر على صفحته الرسمية، استعان بمثل مغربي شهير لتوصيف الوضع: “ما شفناهوم يسرقوا، شفناهم يتقاسموا الغنيمة!”. واعتبر أوزين أن هذا المثل يعكس حقيقة مؤلمة، حيث أن مصطلحات كانت حكرًا على صغار المجرمين، مثل “فراقشي” و”شناق”، أصبحت متداولة في الخطاب السياسي من قبل السياسيين أنفسهم، مما يعكس حالة من “الارتباك” وعدم التمييز بين “سرقة خروف وسرقة مواطن”.
وذهب أوزين إلى توجيه سهام نقده نحو الأسباب الحقيقية للتضخم، مؤكدًا أنها حُددت بوضوح من قبل المندوبية السامية للتخطيط، وتتمثل في “إنتاج وطني هش، وهيمنة الشناقة (الوسطاء)، والأولوية المعطاة للتصدير”. واعتبر أن تذرع الحكومة بـ “كوفيد-19، والتضخم المستورد، والحرب في أوكرانيا” ليس سوى “مؤشرات” وليست “أسبابًا” حقيقية.
الاتحاد الاشتراكي ينضم متأخرًا ويدعم التحقيق
على الرغم من أن المجموعة البرلمانية الاشتراكية (USFP) كانت آخر المنضمين إلى مبادرة تشكيل لجنة التحقيق، معلنة دعمها للمعارضة بعد يوم من إطلاق المبادرة، إلا أنها أكدت دعمها الكامل لأي خطوة تهدف إلى تسليط الضوء على الاختلالات في السياسات العمومية. وأكد رئيس المجموعة البرلمانية الاشتراكية، عبد الرحيم شهيد، أن حزبه “لا يسعه إلا أن يكون إلى جانب جميع المبادرات التي تهدف إلى تعزيز العمل المؤسسي والحفاظ على التوازن بين السلطات”، معتبرًا أن هذه المبادرة ستساهم في “توضيح حقيقة الإعانات، وطريقة منحها، وتأثيرها الحقيقي على الظروف الاجتماعية للمغاربة”.
دعوة متصاعدة لتدقيق شامل
في ظل هذا المناخ المشحون بالشكوك، تزداد الأصوات المطالبة بتدقيق شامل لسياسات استيراد الماشية. فقد طالبت مجموعات حزب التقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، وحزب العدالة والتنمية، بإجراء تحقيق معمق للوقوف على مدى تحقيق الأهداف المعلنة من هذه السياسات، والتي تشمل “التزويد الكافي للسوق، وحماية القطيع الوطني، وتنظيم الأسعار”. وتؤكد هذه المبادرة على الدور المحوري للبرلمان في مراقبة عمل الحكومة وحماية المال العام.