أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أمس الجمعة بجرادة، عن حزمة من الإجراءات والحلول المبتكرة الرامية إلى دفع عجلة التنمية في الإقليم وإعادة هيكلة نشاطه المنجمي. وتأتي هذه المبادرات في إطار مقاربة جديدة تتسم بالبراغماتية والشمولية في الرؤية، وتخرج عن الأنماط التقليدية للتعامل مع التحديات التنموية. وأكدت الوزيرة أن هذه الرؤية الجديدة تتماشى مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى اعتماد نموذج تنموي يقوم على العدالة المجالية والاجتماعية، ويعلي من قيم الشفافية والنجاعة في تدبير القطاعات الحيوية، مشددة على أن الوزارة تعمل على تنزيل هذه الرؤية من خلال أدوات تشريعية وتنفيذية ملموسة، تجمع بين التحول الرقمي، تحفيز الاستثمار، والاستجابة للتحديات البيئية والاجتماعية الراهنة في القطاع المعدني، بتنسيق وثيق مع السلطات المحلية وجميع الشركاء والفاعلين المعنيين.
منصة رقمية جديدة للفحم وإصلاحات تشريعية لتعزيز الاستثمار
كشفت بنعلي، خلال لقاء موسع مع مسؤولي الإقليم، عن شروع الوزارة في إعداد منصة رقمية مخصصة لتسويق الفحم، والتي تعتبر ركيزة محورية ضمن مقاربة متكاملة لإعادة هيكلة القطاع المنجمي بالإقليم. تهدف هذه المنصة إلى إرساء منظومة شفافة لتتبع مسار الفحم المستخرج، وإبراز الفاعلين المحليين في السوق الوطنية. وأبرزت الوزيرة أن هذا الاجتماع يعكس إرادة جماعية لفتح حوار حقيقي حول القضايا ذات الأولوية، وفي مقدمتها القطاع المعدني الذي يضطلع بدور اقتصادي واجتماعي محوري على المستويين المحلي والوطني. وفي سياق تعزيز جاذبية القطاع للاستثمار، كشفت الوزيرة عن إعداد مشروع قانون جديد لتعديل وتتميم القانون رقم 33.13 المتعلق بالمناجم. يهدف هذا المشروع إلى إحداث تغيير نوعي في القطاع، مع إدراج مقتضيات خاصة بإقليم جرادة تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات المحلية وتقدم حلولاً ذات قيمة مضافة. ويحمل المشروع جملة من الإجراءات النوعية، تشمل تبسيط ورقمنة المساطر، إحداث سجل منجمي إلكتروني، إلزامية افتحاص سنوي للسلامة المهنية، إحداث بطاقة مهنية للمنجمي لتمكينه من التكوين، ترخيص معالجة المواد دون شرط رخصة استغلال، تخصيص فرص الشغل لأبناء المنطقة، وفرض مخططات لإغلاق وإعادة تأهيل المناجم لضمان استدامة بيئية واجتماعية.
مقاربة شاملة لاستغلال الفحم ومشاريع للطاقات المتجددة
فيما يتعلق باستغلال الفحم، شددت الوزيرة على تبني مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الإشكالات الصحية والبيئية وتدمجها في رؤية إصلاحية شاملة. تتضمن هذه المقاربة، إلى جانب المنصة الرقمية، إعداد أول دليل استثماري خاص بالقطاع المنجمي بجهة الشرق، مع تركيز خاص على إقليم جرادة، لتسهيل الولوج إلى التمويلات وتعزيز الثقة بين المستثمرين والجهة. وفي مجال الطاقات المتجددة، أعلنت الوزيرة عن توقيع اتفاقية إطار بين وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ووزارة الداخلية، والوكالة المغربية للطاقة المستدامة “مازن”، والشركة الجهوية متعددة الخدمات “الشرق”، وولاية وعمالة ومجلس إقليم جرادة، لإنجاز محطة شمسية بقدرة 3 ميغاواط قابلة للتوسيع إلى 10 ميغاواط، لفائدة الفئات المتضررة من داء السيليكوز. ولفتت الوزيرة إلى أن نسبة الكهربة بلغت 99.91% وطنياً و99.68% على مستوى الجهة، مؤكدة أن الوزارة تعمل على استكمال التغطية عبر مشروع “PERG 2.0” الذي يعتمد على الطاقة المتجددة والشبكات الصغيرة، وهو ما تم تنفيذه بنجاح في إقليمي الصويرة والحوز.
تعزيز البنية التحتية الطاقية والتنمية الترابية
شكل هذا اللقاء مناسبة للوقوف على مستوى التقدم المحقق في عدد من الاتفاقيات التنموية المبرمة مع إقليم جرادة، وتسريع وتيرة تنفيذها ميدانياً. ومن بين هذه الاتفاقيات، تبرز الشراكة مع “مازن”، التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الطاقية بالإقليم، وتوفير حلول مبتكرة تساهم في تحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص الشغل لفائدة الساكنة المحلية. وفي هذا الصدد، أكد ممثل الوكالة المغربية للطاقة المستدامة أن الوكالة تعتمد نهجاً متكاملاً يجعل من الطاقات المتجددة رافعة للتنمية الترابية، مسلطاً الضوء على مشروع “نور أطلس“ الذي يشمل مجموعة محطات شمسية بطاقة إجمالية تصل إلى 300 ميغاواط، منها 121 ميغاواط بعين بني مطهر، بتكلفة تناهز 2.7 مليار درهم. كما أبرز المشروع النوعي لإنشاء محطة شمسية بطاقة 3 ميغاواط مخصصة للساكنة المصابة بالسيليكوز، بتمويل يقدر بـ36.5 مليون درهم، يهدف إلى تزويدهم بالكهرباء منخفضة التكلفة تخفيفاً لعبء أجهزة التنفس الاصطناعي. ويكرس هذا الورش المشترك بين الدولة والمؤسسات الجهوية نموذجاً لمقاربة تنموية جديدة، تجمع بين العدالة المجالية، الرقمنة، النجاعة في الأداء، والعدالة البيئية. وتندرج هذه الزيارة ضمن مقاربة تشاركية تهدف إلى تحقيق تنسيق فعال بين مختلف المتدخلين، وتمكين جرادة من الاستفادة من الدينامية التي يشهدها قطاعا الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.