تلقي قضية “عقار القلعة” في منطقة المنزه بعين العودة بظلالها على مدى فعالية الحكامة القضائية في المغرب، وتطرح تساؤلات جدية حول من يسهر، داخل الجهازين التنفيذي والقضائي، على التطبيق السليم للقانون. يستغرب المتتبع للشأن العام من وصول الأمور إلى حد لجوء مواطن بسيط، هو السيد خشان المرضي، إلى الديوان الملكي مطالبًا بحقه في تحقيق العدالة، والأدهى من ذلك كله هو تورط رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة، السيد رشيد العبدي، في شكاية موجهة إلى القضاء تتهمه بالسطو على ملك الغير واستغلال النفوذ.
بدأت وقائع القضية بسعي السيد خشان المرضي للحصول على شواهد إدارية تثبت عدم “صبغة جماعية” لعقار موروث عائليًا. ورغم أن المعاينة الميدانية والمراسلات الرسمية أكدت عدم علاقة الجهات المعنية بالعقار، إلا أن القائد رفض تسليم الشواهد دون أي تعليل قانوني. هذا الرفض جاء على الرغم من مرور الآجال القانونية وتنافيه الصريح مع التعليمات الملكية السامية بضرورة تجاوب الإدارة مع طلبات المواطنين.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالقضية ازدادت تعقيدًا عندما لجأ المشتكي إلى القضاء الإداري، وحصل على حكم قضائي لصالحه ابتدائيًا واستئنافيًا. ومع ذلك، امتنع القائد عن تنفيذ الحكم القضائي الصادر باسم جلالة الملك، وهو ما يصفه المرضي بـ “استخفاف بهيبة القضاء والتعليمات الملكية السامية”.
تتصاعد حدة القضية مع اتهام صريح من قبل السيد المرضي لمسؤول ترابي بارز، وهو رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة، السيد رشيد العبدي، بـ “الترامي” على قطع أخرى من أملاكهم العقارية. ويشير المرضي إلى أن هذا الترامي قد استند إلى “وثائق ترجح أنها مزورة”، وأن القضاء يحقق في هذه الوقائع حاليًا.
وقد خرج السيد خشان المرضي ليدحض رد السيد رشيد العبدي الذي نشرته جريدة ريحانة بريس، مؤكدًا أن رد العبدي يتسم بالتناقض وتنقصه الشفافية. فبينما يؤكد العبدي شراء العقار المعني في عام 2006 و2016 و2024 بجميع الوثائق التي تثبت ملكيته ونفيه استغلال نفوذه، يقدم المرضي رواية مغايرة تمامًا ويشير إلى أن العقار الذي يتحدث عنه العبدي، والمسمى “الجنان”، هو عقار محفظ ويعود لملكية أخرى، بينما العقار محل النزاع هو “القلعة 4” غير المحفظ، والذي يدعي العبدي أنه اشترى جزءًا منه من شخص آخر بعد أن قام بتغيير اسمه باستخدام شهادة إدارية مشبوهة.
تُشير الشكاية الأصلية إلى استخدام وثيقة ملكية تعود لعقار محفظ آخر في عملية “بيع غير قانوني” لعقار “القلعة 4” غير المحفظ. هذا الاستخدام “التدليسي” للوثائق، بالإضافة إلى إصدار شهادة إدارية ببيانات “كاذبة“، يثير شبهات حول “التزوير في المستندات” و”التدليس في المستندات العقارية” و”التعدي على ملكية الغير”. ويتساءل خشان المرضي عن كيفية حصول رشيد العبدي على شهادة إدارية بهذا العقار “المزور” بهذه السهولة، في الوقت الذي عانى فيه هو نفسه، المالك الشرعي، من صعوبة الحصول على شهادة إدارية لعقاره رغم صدور حكمين قضائيين لصالحه.
لم تقتصر اتهامات خشان المرضي على التزوير والتدليس، بل امتدت لتشمل شبهات “استغلال النفوذ” و”جريمة النصب” و”غسل الأموال”. فالعلاقات التي تربط أحد المشتكى بهما بمسؤولين محليين، بالإضافة إلى طريقة دفع مبلغ كبير نقداً، تفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة الصفقة وما إذا كانت تتم في إطار شفاف وشرعي.
تظل هذه القضية، التي أثارت اهتمام الرأي العام، معلقة في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات القضائية. فهل سيكشف القضاء المغربي الحقيقة ويطبق القانون بكل حزم، أم أن “الحكامة القضائية” ستظل حبيسة التساؤلات، تاركة مواطنًا بسيطًا يستنجد بأعلى سلطة في البلاد بحثًا عن حقه في العدالة؟