تتوالى فصول فضيحة الفساد الإداري في عمالة الصخيرات-تمارة، لتكشف عن وجهٍ قبيحٍ للتعنت واللامبالاة، بل والتواطؤ السافر مع شبكات الاستيلاء على ممتلكات الغير، ضاربةً عرض الحائط بأحكام القضاء ومبادئ دولة الحق والقانون. ففي الوقت الذي صدر فيه حكم استئنافي يلزم عمالة الصخيرات-تمارة بمنح ورثة المرحوم المصطفى المرضي شهادة إدارية لتثبيت ملكيتهم لعقار غير محفظ، تواصل السلطات المحلية بقيادة المنزه رفضها تنفيذ الحكم، بل وتذهب أبعد من ذلك، لتمنح شهادات مماثلة لأطراف أخرى “ذات نفوذ” في نفس المنطقة وبشكل يثير الشبهات.
شكاية مدوية تكشف خيوط المؤامرة
المشهد يبدأ بشكاية مدوية موجهة إلى السيد عامل عمالة الصخيرات-تمارة، بتاريخ 2 ماي 2025، من محامية بهيئة الرباط، تندد بـ”التزوير في محرر رسمي مع الترامي على ملك الغير والتواطؤ مع مسؤولين محليين لتسهيل الاستيلاء على عقار غير محفظ”. الشكاية تفضح قيام شخصين ببيع عقار غير محفظ، موضوع مطلب تحفيظ مشبوه، باستعمال وثائق مدلسة ورسوم إدارية غير قانونية، والادعاء زوراً بملكية أرض تعود في الأصل للغير. الأدهى من ذلك، أن الشكاية تشير إلى تواطؤ محتمل من بعض أعوان السلطة المحلية بقيادة المنزه، الذين “يشتبه في تمكينهم للمشتكى بهما من تسهيلات إدارية مقابل منافع مشبوهة”. هذا التواطؤ يصل إلى حد التزوير الواضح في محرر رسمي واستعمال تدليسي لمحررات إدارية مزورة، مما يعد “استغلالاً للنفوذ وخيانة للأمانة الإدارية”. وتختتم الشكاية مطالبةً بفتح تحقيق إداري صارم، وتحديد المسؤوليات، وتوقيف أي إجراء إداري يتعلق بهذا العقار المشبوه، وإحالة الملف على النيابة العامة.
حكم قضائي ينتصر للحق.. وإدارة ترفض الإنصياع
في تطور موازٍ، يؤكد قرار قضائي صارخ على حق ورثة المرحوم المصطفى المرضي في الحصول على شهادة إدارية لتثبيت ملكيتهم لعقار موروث غير محفظ. فبعد رفض ضمني من السلطات المحلية دام لأشهر، أيدت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط حكماً ابتدائياً يلزم عمالة الصخيرات-تمارة بمنح هذه الشهادة. القضية تكشف أن قيادة المنزه امتنعت عن الاستجابة لطلب الورثة، وتجاهلت إنذارهم، مما دفعهم للجوء إلى القضاء الإداري. وقد رفضت محكمة الاستئناف الإدارية بشكل قاطع جميع دفوعات العمالة، مؤكدةً على أن طلب الورثة كان مستوفياً للشروط الشكلية، وأن الإدارة ليس لها الحق في التدخل في نزاعات الملكية، بل يجب عرضها أمام القضاء المختص.
تناقض صارخ: الشهادات الإدارية “لأصحاب النفوذ” فقط؟
لكن الصدمة الكبرى جاءت مع الكشف عن وثيقة جديدة، تفيد بأن قائد قيادة المنزه نفسه، الذي رفض سابقاً منح ورثة المرحوم المصطفى المرضي شهادة إدارية لتثبيت ملكيتهم، قد منح شهادة مماثلة في إطار عملية بيع عقار يقع في نفس المنطقة، وفي ظرف وجيز. هذا التناقض الصارخ يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول المعايير التي يعتمدها قائد المنزه في منح أو رفض الشهادات الإدارية. هل تخضع هذه المعايير لاعتبارات تتعلق بمركز الأطراف المعنية؟ ولماذا تم تيسير الإجراءات ومنح الشهادة الإدارية في حالة البيع الذي يكون فيه “مسؤول رفيع المستوى طرفاً فيه”، بينما تم عرقلة ومنع نفس الشهادة عن ورثة يسعون لتسوية وضعية إرثهم؟
إن هذا السلوك الإداري لا يؤكد فقط على التعنت الذي أبدته قيادة المنزه في مواجهة طلب ورثة المرضي، بل يذهب أبعد من ذلك ليشير إلى ازدواجية في المعايير وتطبيق انتقائي للقانون. ففي الوقت الذي صدر فيه حكم قضائي يلزم العمالة بمنح الورثة الشهادة الإدارية، يستمر قائد المنزه في تجاهل هذا الحكم، بل ويقوم بمنح نفس الوثيقة لأطراف أخرى في ظروف أقل إلحاحاً من حالة الورثة الذين يسعون لتسوية وضعية إرثهم.
دعوة عاجلة إلى التحقيق والمساءلة
إن هذه التطورات الخطيرة تستدعي تدخلاً عاجلاً وحاسماً من الجهات العليا. يجب فتح تحقيق معمق وشامل في طريقة تعامل قيادة المنزه مع طلبات الحصول على الشهادات الإدارية، والتأكد من تطبيق القانون على قدم المساواة بين جميع المواطنين. كما يجب مساءلة المسؤولين عن أي تجاوزات أو تعنت إداري يمس بحقوق الأفراد ويعرقل تطبيق أحكام القضاء.
قضية ورثة المرحوم المصطفى المرضي أصبحت رمزاً لمعاناة بعض المواطنين في مواجهة تصلب الإدارة وتجاهلها لحقوقهم المشروعة. فهل ستنتصر دولة القانون، أم ستظل عمالة الصخيرات-تمارة حصناً للتعنت والتواطؤ على حساب المواطن؟