في انسجام مع التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الداعية إلى إرساء أسس العدالة الناجعة، وتعزيز الثقة في المؤسسات، وترسيخ الحكامة الرشيدة كدعامة محورية للنموذج التنموي الجديد، احتضنت العاصمة السياسية للمملكة المغربية توقيع اتفاقية تعاون مؤسسي بين مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتسوية المنازعات والمعهد الدولي للحكامة، في خطوة وازنة تعكس التقاء الإرادات المؤسسية نحو تحقيق إصلاح قانوني ومجتمعي هادف.
هذه الشراكة المتميزة تتجاوز حدود التعاون التقليدي لتشكل رافدًا ديناميكيًا يهدف إلى تعزيز الحكامة وتحقيق تكامل فعال بين المؤسسات، بما يساهم في بلورة حلول مبتكرة وفعالة لتسوية النزاعات، وتعكس التزامًا مشتركًا بتفعيل مسارات العدالة البديلة والبحث عن حلول واقعية تتجاوز إكراهات المساطر القانونية الإجرائية الطويلة والمعقدة، وذلك عبر تطوير آليات الوساطة والتحكيم، بوصفها أدوات شبه قضائية تتميز بالنجاعة، والمرونة، والسرعة في معالجة النزاعات.
ويجمع هذا الاتفاق بين مؤسستين تتحملان مسؤولية أكاديمية ومجتمعية معتبرة: فالـمعهد الدولي للحكامة يشكل مركز إشعاع علمي وفكري يعنى بتكوين الأطر العليا وتأهيل الكفاءات في مجال تدبير الشأن العام، والارتقاء بمستوى الأداء المؤسسي محليًا وإقليميًا ودوليا. أما مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتسوية المنازعات، فهو هيئة متخصصة تضطلع بدور محوري في ترسيخ ثقافة الحلول السلمية للنزاعات، وتقديم بدائل تحترم روح القانون وتستجيب لمتطلبات التوازن والعدل.
وأكد الدكتور سعد بوعشرين، رئيس المعهد، أن هذه الاتفاقية تأتي في سياق تثمين الجهود الوطنية لإرساء قواعد الحكامة باعتبارها ممارسة مؤسساتية تقوم على الشفافية، والنزاهة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، مضيفًا أن المعهد منفتح على كل المبادرات الجادة التي تعزز التكوين التطبيقي وترتقي بالمعرفة القانونية والتنموية.
بدوره، اعتبر المستشار الدكتور حسن بن ثابت، رئيس المركز، أن هذه الشراكة تمثل لبنة أساسية في مسار تطوير بدائل القضاء التقليدي، مبرزًا أن الوساطة والتحكيم ليستا مجرد آليات إجرائية، بل فلسفة متكاملة تقوم على الثقة والتوافق وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، في إطار يحترم الخصوصيات الثقافية والقانونية.
كما تفتح هذه الاتفاقية آفاقًا واسعة للتعاون الأكاديمي والمهني، تشمل تنظيم ورشات علمية، وبرامج تكوينية لفائدة المنتخبين، والمسؤولين الإداريين، والفاعلين الاقتصاديين، بما يساهم في بناء نخب مؤهلة قادرة على مواكبة التحولات القانونية والاقتصادية في ظل التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من إصلاح العدالة ورشًا استراتيجيًا ذا أولوية قصوى.
وتعكس هذه المبادرة حرص المؤسستين على توحيد الجهود في سبيل تأهيل فضاءات العدالة البديلة، وترسيخ الحكامة كأفق مشترك لتدبير الخلافات بطرق أكثر إنصافًا وفاعلية، انسجامًا مع رؤية ملكية متبصرة تسعى إلى بناء مغرب الكفاءة، والعدالة، والاستقرار.
ويأتي هذا التعاون تتويجًا لمسار من التفاعل المؤسساتي الهادف، وتجسيدًا لوعي متقدم بأهمية تفعيل الشراكات البناءة بين مراكز التفكير القانوني والإداري، بما يعزز منسوب الثقة بين المواطن والمؤسسات، ويواكب حاجيات الدولة الحديثة في مجالات العدالة والتنمية.
وتؤكد المؤسستان عزمهما المشترك على تنزيل مضامين هذه الاتفاقية بشكل عملي، عبر برامج واقعية، ولقاءات دورية، ومبادرات مشتركة، تسعى إلى ترسيخ ثقافة الحوار والتوافق، وتوسيع دائرة الاستفادة من أدوات العدالة البديلة كرافعة استراتيجية لترسيخ الأمن القانوني وتعزيز التنمية المستدامة.