في قرار قضائي يبرز جانباً من التحديات التي يواجهها المواطنون في تعاملهم مع الإدارة، أيدت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط حكماً ابتدائياً يلزم عمالة الصخيرات تمارة بمنح ورثة المرحوم المصطفى المرضي شهادة إدارية لتثبيت ملكيتهم لعقار غير محفظ. هذا التأييد يأتي بعد رفض ضمني من السلطات المحلية دام لأشهر، وهو ما يكشف عن إمكانية وجود تعنت إداري في تطبيق القانون وتسهيل الإجراءات على المواطنين.
تحليل الوقائع:
تتلخص وقائع القضية في سعي ورثة المرحوم المصطفى المرضي، بصفتهم ملاكاً لعقار موروث غير محفظ، إلى الحصول على شهادة إدارية ضرورية لإتمام إجراءات تسجيل ملكيتهم. وقد استند الورثة في طلبهم على القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، الذي يخولهم هذا الحق لتسوية وضعية عقارهم.
إلا أن قيادة المنزه التابعة لعمالة الصخيرات تمارة امتنعت عن الاستجابة لطلب الورثة، بل وتجاهلت إنذارهم، وهو ما دفعهم للجوء إلى القضاء الإداري. وقد قضت المحكمة الإدارية الابتدائية لصالح الورثة، معتبرة أن سكوت الإدارة يشكل رفضاً ضمنياً مشوباً بعيوب قانونية.
محاولات الإفلات من المسؤولية:
لم ترض عمالة الصخيرات تمارة بهذا الحكم، فاستأنفته محاولةً التملص من مسؤوليتها. وقد تمحورت دفوعاتها حول أسباب شكلية وإجرائية، مدعية أن المقال الافتتاحي لم يستوف الشروط القانونية وأن الطعن قُدم خارج الأجل. كما ادعت بخرق حقوق الدفاع، وهو ما رفضته محكمة الاستئناف الإدارية بشكل قاطع.
تأكيد قضائي على واجب الإدارة:
لقد كان قرار محكمة الاستئناف الإدارية واضحاً وحاسماً في تأييد حق الورثة. فقد فندت المحكمة جميع دفوعات العمالة، مؤكدة أن طلب الورثة كان مستوفياً للشروط الشكلية وأن الطعن بالإلغاء كان في محله نظراً لطبيعة القرار الإداري السلبي والمستمر.
الأكثر دلالة هو تركيز المحكمة على طبيعة الشهادة الإدارية وحدود صلاحيتها. فقد أكدت المحكمة أن هذه الشهادة تهدف فقط إلى تحديد الوضع القانوني للعقار من حيث كونه ملكاً جماعياً أو حبسياً أو من أملاك الدولة، ولا تمتد لتقييم أو الفصل في نزاعات الملكية. وبالتالي، فإن أي اعتراضات محتملة على ملكية الورثة لا يمكن أن تكون مبرراً لرفض منحهم الشهادة الإدارية، بل يجب طرحها أمام القضاء المختص حسب مسطرة التحفيظ.
إبراز التعنت الإداري:
إن إصرار عمالة الصخيرات تمارة على استئناف الحكم الابتدائي، والتمسك بدفوع شكلية واهية، يثير علامات استفهام حول مدى استعداد الإدارة لتطبيق القانون وتسهيل مصالح المواطنين. فبدلاً من التعاون مع الورثة وتمكينهم من حقوقهم في الحصول على وثيقة إدارية بسيطة، لجأت العمالة إلى عرقلة المسار القضائي وتأخير حصولهم على حقهم.
إن هذا السلوك الإداري، الذي يستدعي تدخل القضاء لإنصاف المتضررين، يسلط الضوء على أهمية تفعيل مبادئ الشفافية والمسؤولية في عمل الإدارة، وضرورة التزامها بتطبيق القانون بروح من التعاون والتيسير على المواطنين، بدلاً من خلق عراقيل غير مبررة.
وفي تطور يثير علامات استفهام حول تطبيق القانون ومبدأ المساواة أمام الإدارة، كشفت وثيقة جديدة عن قيام قائد قيادة المنزه، الذي رفض سابقاً منح ورثة المرحوم المصطفى المرضي شهادة إدارية لتثبيت ملكيتهم، بمنح شهادة مماثلة في إطار عملية بيع عقار يقع في نفس المنطقة. هذا التناقض الصارخ في التعامل يبرز بشكل حاد ما يبدو أنه تعنت إداري غير مبرر ضد ورثة المرضي، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول دوافع هذا التمييز.
تفاصيل الشهادة الإدارية الممنوحة:
تظهر الوثيقة وهي عبارة عن “شهادة إدارية” صادرة عن قيادة المنزه بتاريخ 27 مارس 2024، موجهة إلى أن طالبها تقدم بطلب للحصول على هذه الشهادة التي تفيد بناءً على الوثائق المقدمة وتصريحات المصالح المعنية، بأن العقار موضوع البيع لا يخضع للتحديد الإداري للدولة ولا يندرج ضمن الأملاك الجماعية أو الحبسية أو أملاك الدولة. وقد تم منح هذه الشهادة بهدف إتمام إجراءات البيع لدى كتابة العدل.
مفارقة صارخة وتساؤلات مشروعة:
إن منح هذه الشهادة الإدارية بسرعة ويسر في سياق عملية بيع عقار يشترك فيه طرف ذو نفوذ سياسي وإداري رفيع المستوى، يتناقض بشكل حاد مع التعطيل والرفض الذي واجهه ورثة المرحوم المصطفى المرضي في سعيهم للحصول على نفس الوثيقة لتثبيت حقهم الموروث في عقار يقع في نفس النفوذ الترابي لقيادة المنزه.
ففي الوقت الذي استندت فيه الإدارة في رفضها منح الشهادة لورثة المرضي إلى ضرورة التحقق من وضعية العقار وإمكانية وجود نزاعات، وهو ما استغرق منها وقتاً طويلاً انتهى برفض ضمني، نجد أن قائد المنزه لم يتردد في منح الشهادة الإدارية في ظرف وجيز لإتمام صفقة بيع عقار آخر في نفس المنطقة.
يثير هذا التباين الصارخ في التعامل عدة تساؤلات مشروعة:
- ما هي المعايير التي يعتمدها قائد المنزه في منح أو رفض الشهادات الإدارية؟ وهل تخضع هذه المعايير لاعتبارات تتعلق بمركز الأطراف المعنية؟
- لماذا تم تيسير الإجراءات ومنح الشهادة الإدارية في حالة البيع الذي يكون فيه مسؤول رفيع المستوى طرفاً فيه، بينما تم عرقلة ومنع نفس الشهادة عن ورثة يسعون لتسوية وضعية إرثهم؟
- أين يتجلى مبدأ المساواة أمام القانون والإدارة في هذا التعامل المتناقض؟
- هل يعكس هذا السلوك الإداري استغلالاً للنفوذ أو محاباة لأطراف معينة على حساب حقوق مواطنين آخرين؟
تأكيد على تعنت الإدارة وتجاهل حكم القضاء:
إن هذه الواقعة الجديدة لا تؤكد فقط على التعنت الذي أبدته قيادة المنزه في مواجهة طلب ورثة المرضي، بل تذهب أبعد من ذلك لتشير إلى إمكانية وجود ازدواجية في المعايير وتطبيق انتقائي للقانون. ففي الوقت الذي صدر فيه حكم قضائي يلزم العمالة بمنح الورثة الشهادة الإدارية، يستمر قائد المنزه في تجاهل هذا الحكم، بل ويقوم بمنح نفس الوثيقة لأطراف أخرى في ظروف أقل إلحاحاً من حالة الورثة الذين يسعون لتسوية وضعية إرثهم.
دعوة إلى التحقيق والمساءلة:
إن هذه التطورات تستدعي فتح تحقيق معمق في طريقة تعامل قيادة المنزه مع طلبات الحصول على الشهادات الإدارية، والتأكد من تطبيق القانون على قدم المساواة بين جميع المواطنين. كما يجب مساءلة المسؤولين عن أي تجاوزات أو تعنت إداري يمس بحقوق الأفراد ويعرقل تطبيق أحكام القضاء.
إن قضية ورثة المرحوم المصطفى المرضي أصبحت رمزاً لمعاناة بعض المواطنين في مواجهة تصلب الإدارة وتجاهلها لحقوقهم المشروعة. ومن شأن الكشف عن هذه الواقعة الجديدة أن يزيد من الضغط على الجهات المعنية لإنصاف الورثة وتطبيق القانون بشكل عادل وشفاف على الجميع.