أن تكون رئيسا لجهة الرباط سلا القنيطرة، الجهة ذات الطابع الفلاحي التي أنقذت المغاربة من الجوع في وقت الجائحة الوبائية، وأن تكون آمرا بالصرف على رأس جهة يقدر تمويل برنامجها التنموي ب 28 مليار درهم، وأن تكون مسؤولا على تفعيل قانون تنظيمي ترابي يمنح جماعتك الترابية صفة الصدارة على العمالات والأقاليم والجماعات التابعة للنفوذ الترابي للجهة، وأن تكون من بين 12 رئيسا جهويا في المغرب مسؤولون على بلورة آليات تنزيل ورش ملكي يسمى الجهوية المتقدمة، وأن تكون كذلك مطالبا بترجمة توجهات النموذج التنموي الجديد الذي دعا له عاهل البلاد، فهذا يعني أنك من عيار المسؤولين الترابيين الذين يحملون ذاكرة تدبيرية توازي حجم التحديات والمسؤوليات الملقاة على عاتقك.
لكن أن يلجأ مواطن مغربي للقضاء ويضع شكاية يتهمك فيها بالترامي على أرض في ملكيته وأن تحصل على شهادة إدارية في نفس العقار الذي صدر فيه حكم ابتدائي واستئنافي لصالحه حيث تتعنت الإدارة المعنية على منحه نفس الشهادة التي حصلت عليها أنت، وأن يتوجه هذا المواطن إلى الديوان الملكي بشكاية يطلب فيها الإنصاف الملكي حيث فقد الثقة في مؤسسات توجد في النفوذ الترابي للجهة التي أنت رئيسها، وأن تحمل في رصيدك النضالي ذاكرة مرتبطة بقضية تتعلق ببناء مدارس حرة فوق مناطق خضراء، إذ تعتبر من بين المستفيدين من العملية التي توبع بموجبها جامع المعتصم بتسع تُهم، أبرزها استغلال النفوذ وتبديد أموال عمومية وتزوير وثائق والمشاركة في مخالفة ضوابط البناء والرشوة والشطط في استعمال السلطة وإتلاف وثائق إدارية.
فهذا معناه أنك سيدي الرئيس أمام معضلة حقيقية، جزء منها يمس سمعتك ومستقبلك كمدبر للشأن العام، والجزء الآخر يضع حزبك في موقف حرج بعد فضيحة اسكوبار الصحراء التي يوجد فيها رئيس الجهة الشرقية، وهو من نفس لونك السياسي، رهن الاعتقال حيث يتابع بتهم ثقيلة. والأدهى والأمر من كل هذا هو الذاكرة النضالية التي يؤسس لها حزب الأصالة والمعاصرة حيث يقدم أرقى النماذج في التدبير الترابي الجهوي قادرة على تفعيل “الممارسات الفضلى” في ربط المال بالسلطة، وفقدان ثقة المواطن في السياسة وفي المؤسسات، وترسيخ العزوف الانتخابي، وترجمة مضادات النموذج التنموي الجديد.
أيها الرئيس المحترم، مقتضيات الحكامة الترابية تطالبك بأن تنشر للعموم محاور برنامجك التنموي الجهوي الذي أنجزته ب 7 ملايين درهم من المال العام ليطلع عليه المواطنون الذين صوتوا عليك لتترأس جهتهم، وتسائلك عن الموقع الإلكتروني لجهة برنامج تنميتها ب 28 مليار درهم، أم أنك لا زلت في طور إنجازه وقد أمضيت ثلثي ولايتك، وأين هو تقرير الإنجاز السنوي وتقرير انجاز نصف الولاية كما ينص عليه القانون التنظيمي، وهل عبأت الشراكات اللازمة لإنجاز مشاريع البرنامج، وهل أعددت ميثاقا للتفعيل مقتضى الصدارة التي تتمتع به الجهة. لا أعتقد سيدي أنه لديك وقت لهذه المهام الثانوية ونقدر انشغالاتك في قضايا ضبط عقارات شغلت وقتك منذ كنت يافعا ابن العشرين سنة ولا زلت تشتغل عليها إلى اليوم، فالله في عونك.
في الختام، إن مسؤولية رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة تتجاوز حدود الإدارة والتدبير اليومي لتشمل الحفاظ على ثقة المواطن وصيانة مبادئ الحكامة الجيدة. فالصورة الذهنية للمسؤول الترابي اليوم يجب أن تتوافق مع روح الدستور الجديد، الذي يؤكد على ربط المسؤولية بالمحاسبة. إن التحديات التي تواجه الجهة، من تنفيذ برامج تنموية ضخمة إلى تفعيل ورش الجهوية المتقدمة، تتطلب قيادة نموذجية تضع الشفافية والنزاهة والعدالة في صلب عملها. فالمغرب يتطلع إلى مسؤولين يكونون قدوة في تدبير الشأن العام، بعيدًا عن أي شبهات قد تمس سمعتهم أو تقوض من ثقة المواطنين في مؤسساتهم المنتخبة، فالمستقبل يبنى على الثقة المتبادلة والتزام أخلاقي لا يتزعزع.
سعد الأنصاري بوعشرين
رئيس المعهد الدولي للحكامة