في منعطف جديد يزيد من حدة التوتر حول قضية عقار “القلعة 4” المتنازع عليه بجماعة المنزه، انقض السيد خشان المرضي على تصريحات رئيس جهة الرباط-سلا-القنيطرة رشيد العبدي برد مفصل كشف من خلاله عن مستندات رسمية تقلب الطاولة على كل الادعاءات، وتضع الحقائق في نصابها أمام الرأي العام الذي يتابع بقلق بالغ واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في الملف العقاري بالعاصمة.
المستندات التي كشف عنها المرضي، والتي حصل الموقع على نسخ منها، تفضح تناقضاً صارخاً بين العقار المتنازع عليه “القلعة 4” غير المحفظ والذي يحمل رقم طلب التحفيظ 278/38، وبين العقار المحفظ “الرمل” الذي استند إليه العبدي في محاولة يائسة لإضفاء الشرعية على عملية بيع توصف بـ”الأكثر غرابة في السنوات الأخيرة”. فكيف يتم خلط الأوراق بين عقارين مختلفين تماماً في الموقع والحدود؟ ومن يقف وراء هذه المناورة الخطيرة التي قد تفتح الباب أمام ملف قضائي أكبر؟
التفاصيل الأكثر إثارة للصدمة جاءت في الشهادة الإدارية الصادرة عن قيادة المنزه، والتي أطلق فيها على العقار اسم “النخلة 01” بمساحة 17 آر 43 سنتيار، بينما يؤكد المرضي أنه “لا يوجد في السجلات العقارية الرسمية أي رسم ملكية بهذا الاسم”، متحدياً العبدي إلى “إبراز وثيقة واحدة تثبت صحة هذه التسمية الوهمية”. هذا التلاعب الفج في تسمية العقارات يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى اختراق شبكات الفساد للمؤسسات الإدارية المحلية، خاصة مع وجود شبهات تواطؤ من عناصر داخل الإدارة الترابية.
المفارقة الأكثر إيلاماً تكمن في تعامل الإدارة مع الملف، حيث كشف المرضي أنه “حصل على حكمين قضائيين لاستصدار شهادة إدارية للعقار نفسه، لكن التنفيذ تم تعطيله عمداً”، بينما “تم تسهيل إجراءات الحصول على شهادة مماثلة لرئيس الجهة في وقت قياسي”. هذا التناقض الصارخ في المعاملة يضع علامات استفهام كبيرة حول معايير العمل داخل الإدارة الترابية، ويفتح الباب أمام تساؤلات محرجة عن دور النفوذ في تحريك الملفات العقارية.
التساؤلات الأكثر إحراجاً تظهر عند تتبع مسار الدفعة المالية الضخمة التي تمثلت في 114 مليون سنتيم التي تم دفعها نقداً وفقاً للعقد الموقع، فبينما يفترض أن يكون البائع (الزيدي) قد أصبح مليونيراً بين عشية وضحاها، نجد أنه “ما زال يعمل في مطعم متواضع داخل محطة بنزين، ويتنقل بدراجة نارية عادية”، كما وصفه المرضي في ردّه المطول. هذه المفارقة الصارخة تثير أكثر من سؤال حول مصير هذا المبلغ الضخم، وهل تم استخدامه في عمليات غسل أموال أو تهرب ضريبي؟
المتابع للقضية يلاحظ أن العبدي حاول في رده التستر وراء حجة أنه “لم يكن يشغل أي منصب سياسي عام 2006 عندما بدأت عملية الشراء”، لكنه يتناسى عمداً أن الجزء الأكبر من الصفقة تم في 2024 أثناء توليه منصب رئيس الجهة، وهو ما يفتح الباب أمام شبهات استغلال النفوذ. كما أن الروابط العائلية بين المشتكى به الثاني (الزيدي) ومسؤولين كبار في الإدارة المحلية، بالإضافة إلى وجود نائب رئيس الجماعة الحضرية كشاهد في العقد، كلها تفاصيل تشير إلى أن القضية قد تكون مجرد “قمة جبل الجليد” في ملف فساد عقاري أكبر.
في ختام ردّه، أعرب المرضي عن “ثقته المطلقة في القضاء المغربي”، لكنه حذر في الوقت نفسه من “محاولات بعض الأطراف التأثير على سير التحقيق”، مشيراً إلى أنه “يتعرض لضغوط غير مباشرة منذ رفع الدعوى”. هذا الموقف يذكرنا بأهمية حماية الشهود والمبلغين في قضايا الفساد الكبرى، خاصة تلك التي تمس شخصيات نافذة في الدولة.
القضية التي بدأت كخلاف عقاري عادي، تحولت اليوم إلى اختبار حقيقي لمصداقية المنظومة العقارية والقضائية في المغرب. فهل ستكون هذه الواقعة فرصة حقيقية لإصلاح ثغرات النظام العقاري؟ أم أنها ستضيف إلى سلسلة الفضائح التي تنتهي بالتقادم أو بالصفقات السياسية؟ السؤال يبقى معلقاً في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات الجارية.