منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وفي مارس من عام 2016 تحديداً، أطلق سعد بوعشرين عبر منبر “هسبريس” صرخة تحذيرية تجاوزت حدود اللحظة السياسية، لتلامس صميم ما نشهده اليوم من دينامية احتجاجية يقودها الجيل الجديد في الشارع المغربي.
لقد تنبأ سعد بوعشرين بـعجز الأحزاب السياسية التقليدية عن تمثيل القاعدة الاجتماعية الجديدة التي “ستصبح بخصائص رقمية من جنس ‘إيموتيكونات’ التواصل الرقمي”، محذراً من أن هذا الجيل السياسي، الذي تشكّل وعيه بعيداً عن صراعات الإيديولوجيات القديمة و”سنوات الرصاص”، سيجد نفسه متعالياً على كل تلك القوالب السياسية المتآكلة. تساءل بوعشرين آنذاك باستغراب: هل من المعقول أن يكون عدد متابعي شاب مغربي على الفيسبوك “أكثر من القاعدة الناخبة لعشرون حزب سياسي مجتمعة”؟ اليوم، نرى الإجابة تتجسد على أرض الواقع؛ فـ*”جيل زد” (Gen Z)* ، بسلاحه الرقمي وخطابه الجديد، لم يعد ينتظر تمثيلاً من هياكل عاجزة، بل يذهب إلى اقتناص المبادرة بنفسه.
كما أشار المقال بوضوح إلى أن الأحزاب تغامر بـ”منتوج متقادم لا يصلح إلا أن يكون شاهداً على حالة الهبوط التي تعاني منها النخب السياسية”. وهذا ما يفسر الآن تراجع منسوب الثقة وفقدان الشارع لمخاطب سياسي تقليدي يستطيع أن يواكب لغة “التحول“ التي يفرضها العصر. لقد رسم بوعشرين خارطة طريق لعقاب سياسي قادم، مؤكداً أن الجيل الجديد “سوف يعاقب الساسة والسياسيون” بسبب إغفالهم “مقتضيات فعل السياسة الأساسية وهي التمثيلية لتعبيرات المجتمع ونبضه وهمومه”، مهتمين بالتوازنات والمصالح الخاصة.
واليوم، تثبت الاحتجاجات الشبابية الحالية أن هذا العقاب لم يعد مجرد نبوءة، بل واقع معاش. إنها تمثل الانطلاقة نحو “السياسة في أفقها المفتوح على روح العصر”، كما وصفها بوعشرين، والحال أن هناك حاجة إلى أحزاب سياسية جديدة في مستوى مجهودات وطموحات المغاربة، أحزاب لا تعاني من عقدة الماضي، بل قادرة على بلورة خطاب ورؤية تنسجم مع تطلعات جيل يرى العالم من شاشة الهاتف الذكي، ويرفض أن يمارس السياسة على أنقاض صراعات الأمس.
رابط مقال سعد بوعشرين سنة 2016 : https://www.hespress.com/275988-275988.html
