تُعد الدكتورة نجاة زروق واحدة من أبرز الرائدات في مجال الإدارة العامة والتنمية الترابية في بلدها، المملكة المغربية، بالقارة الأفريقية وعلى المستوى الدولي بالأمم المتحدة، حيث تمتد مسيرتها المهنية لأكثر من أربعة عقود، تواصلت خلالها، بتفان و بجدية و بلا كلل من أجل تعزيز الحكم الرشيد بالإدارة العمومية و مسلسل اللامركزية و عدم التمركز، و دلك من خلال الاستثمار في أهم مورد لأي بلد: الرأس المال البشري.
من المغرب إلى الساحة الدولية والإفريقية
انطلقت مسيرة الدكتورة زروق من أعلى هياكل وزارة الداخلية المغربية، حيث أمضت 31 عاماً شغلت خلالها مناصب قيادية رفيعة، توجت بتعيينها في رتبة عامل – مديرة و عامل عمالة مقاطعة، بظهير ملكي شريف من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده.
وهي حاصلة على دبلوم الماجستير من جامعة السوربون- -باريس Iبفرنسا في الدراسات الدولية و الأوروبية و المقارنة، و على دكتوراه الدولة في العلوم السياسية- شعبة العلاقات الدولية من جامعة محمد الخامس بالرباط، كما تخرجت الأولى في دفعتها من المدرسة الوطنية للإدارة العمومية بالمغرب، مما شكل قاعدة متينة لتكوينها و خبرتها الواسعة. و تم دعم هدا التكوين المتين بالعديد من التداريب الميدانية التي استفادت منها بالمغرب و خارج بلدها، بما في دلك تدريب بالولايات المتحدة الأمريكية بجامعة ببتسبورغ (University of Pittsburgh)حول التدبير العمومي.
لم تقتصر إسهامات الدكتورة زروق على المستوى الوطني، بل امتدت إلى الساحة الدولية، حيث شغلت مهمة عضو لجنة الخبراء في الإدارة العامة بهيأة الأمم المتحدة منذ 2010، خلال ثلاث ولايات (2010-2013, 2014-2017, 2022-2025). كما ترأست هذه اللجنة خلال دورتين سنويتين (2012 -2013). كما ترأست أو شاركت في عضوية اللجنة الفرعية التابعة لهذه اللجنة والمعنية بتقييم المبادرات التي تقدمها المؤسسات العامة للحصول على جائزة الأمم المتحدة للخدمة العامة). وفي هذا السياق، دعمت العديد من المؤسسات المغربية والأفريقية للحصول على هذه الجائزة.
و لقد تم انتخابها بالإجماع عام 2022 بالرباط، برحاب جامعة محمد الخامس بكلية الحقوق حيث درست، رئيسة للرابطة الدولية لمدارس ومعاهد الإدارة (AIEIA/IASIA) ، التابعة للمعهد الدولي للعلوم الإدارية، لتكون بدلك أول امرأة عربية ومغربية تتولى هذا المنصب الرفيع.
إنجازات بارزة في دعم اللامركزية و اللا تركيز و الحكم الرشيد و التكوين و بناء القدرات والتمكين
على المستوى الوطني، قادت الدكتورة زروق مبادرات نوعية كان أبرزها :
- أدارت بنجاح و امتياز تحولاً مالياً وإدارياً جذرياً لمديرية تكوين الأطر الإدارية والتقنية بوزارة الداخلية، من خلال إنشاء “مصلحة الدولة المسيرة بطريقة مستقلة (SEGMA)”، مما وفر لها استقلالاً مالياً ومكنها من تعزيز فعالية و نجاعة و وقع برامج التدريب و دعم القدرات لفائدة المنتخبين المحليين و أطر وزارة الداخلية و الإدارة الترابية. و انطلاقا من هده الاستقلالية المالية، تمكنت من استقطاب ما يزيد عن 20 شريك لهدا القطاع.
- انجاز “الجريدة الرسمية للجماعات المحلية“عام 2004، كأداة أساسية لتعزيز الشفافية في الإدارة المحلية.
- 2004-2005: إعداد وتنسيق تنظيم المؤتمر الأول للتعاون اللامركزي بين الجماعات المحلية المغربية والسنغالية، في فاس، المغرب، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس – نصره الله.
- 2005-2006: إعداد وتنسيق تنظيم المنتدى الأول للشراكة المغربية -الفرنسية، في الصخيرات، المغرب، 2006، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس – نصره الله.
- كانت سباقة سنة 2007 في إعداد وتنظيم الندوة الوطنية الأولى حول مبدأ التفريع
(Le Principe de Subsidiarité) الذي يستم اعتماده في دستور 2011، و دلك في مراكش، بشراكة ودعم من مؤسسة هانس سايدل الألمانية.
و ايمانًا منها بمزايا وفوائد التواصل الشبكي، أطلقت و دعمت الدكتورة زروق ثلاث شبكات مهمة في وزارة الداخلية المغربية، و هي:
- شبكة “منتدى المدربين الداخليين لوزارة الداخلية” (FAMI)؛
- شبكة رئيسات الجماعات المحلية؛
- شبكة رؤساء أقسام الجماعات الترابية Le Réseau des Chefs DCL) ) بولايات وعمالات وأقاليم المملكة؛
أما على المستوى الإفريقي، فقد كان لها الفضل في إعداد وتحميل رسالة رسمية من السلطات المغربية (موقعة من معالي وزير الداخلية انداك، المرحوم السيد مصطفى الساهل) إلى الأمين العام لمنظمة المدن المتحدة والحكومات المحلية في أفريقيا، تعرض فيها سلطات المملكة المغربية استضافة واحتضان مقر هده المنظمة في عام 2003، خلال قمة المدن الأفريقية في ياوندي، الكاميرون.
كما كان لها الفضل في دعم وتسهيل الاجتماعات الرسمية و أنشطة و مهام منظمة المدن و الحكومات المتحدة في أفريقيا خلال السنوات الأولى من إنشائها و دلك في ظروف رفيعة المستوى كما هو الشأن سنة 2004 و 2005 أو لدعم اجتماعاتها في دول أخرى.
وفي إطار عملها مع منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة بإفريقيا (CGLU Afrique)، مند 2016، كانت الدكتورة زروق القوة المحركة وراء تأسيس وتطوير و إشعاع “الأكاديمية الإفريقية للجماعات الترابية” (ALGA)، التي أصبحت الذراع الأكاديمي للمنظمة. تحت قيادتها، نظمت الأكاديمية قرابة 500 نشاط تدريبي، كما أطلقت منصة “E-Academy” للتعلم عن بعد، مما وسع نطاق وصول التدريب إلى آلاف المنتخبين والمسيرين عبر القارة.
لقد جعلت الدكتورة زروق من الاستثمار في الرأس المال البشري للإدارة العمومية على جميع مستويات الحكامة، رسالتها الأولى و المفضلة، انطلاقا من قناعتها بأن الرأس المال البشري هو الرافعة الأساسية التي ستمكننا من تحقيق العالم وأفريقيا التي نريد.
ولم يقتصر عطاؤها على الجانب المؤسسي، بل امتد ليشمل تمكين المرأة، حيث كانت العقل المدبر وراء إنشاء “شبكة النساء المنتخبات محليا بإفريقيا” (REFELA)، التي أصبحت لجنة دائمة ضمن هياكل منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة بإفريقيا، كما حصلت الشبكة بفضل جهودها على تمويل و دعم سنوي ثابت من وزارة الداخلية المغربية، مما ضمن استمرارية أنشطتها ودعمها للنساء القياديات محلياً. وللإشارة، ساهمت كدلك في تصميم شعار REFELA، حيث طلبت من المصمم أن يمد أذرع المرأة إلى ما وراء الحدود الأفريقية، وهذا ما حدث بالفعل، حيث أن رئيسة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة في أفريقيا تترأس حاليا اللجنة الدائمة المعنية بالنوع الاجتماعي في منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة على المستوى العالمي!
و للتذكير تعد الدكتورة زروق مرجعا وبطلة في المغرب والعالم العربي وأفريقيا فيما يتعلق بتمكين النساء و الفتيات؛ وهي جهود اعترفت بها العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية بما في ذلك هيأة الأمم المتحدة.
مبادرة أخرى من طرف الدكتورة نجاة: إنشاء وتحقيق المنتدى الأفريقي للمدبرين المحليين ومعاهد التكوين التي تستهدف الجماعات الترابية، المسمى ) FAMI). ويستقطب المنتدى مند 2017 جميع الممثلين والأطراف المعنية بالمضي قدماً في تطوير مسلسل اللامركزية والحوكمة المحلية، و الاستثمار في رأس المال البشري من خلال التوعية والتكوين وتعزيز القدرات والتدريب، و التعلم من الأقران و تكوين المكونين. و يتم تنظيمه كل عام في جهة مختلفة بالمغرب كما حظي المنتدى بالرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس – نصره الله وأيده، في عامي 2023 بمدينة الجديدة و 2024 بمدينة طنجة.
وفيما يتعلق بدعم التشبيك على المستوى الأفريقي، فقد تقلدت مناصب و مهام في الهيئات الإدارية لشبكتين أفريقيتين من أهم الشبكات الأفريقية في مجال الإدارة العامة والموارد البشرية في الخدمة المدنية، وهما الجمعية الأفريقية للإدارة العامة والإدارة (AAPAM) ومقرها في نيروبي / كينيا والشبكة الأفريقية لمديري الموارد البشرية في الخدمة المدنية
(APS-HRMnet). كما دعمت وسهلت تنظيم مؤتمراتهم السنوية في المملكة المغربية، وساهمت في أنشطتهم العلمية و الفكرية.
تأثير عالمي وإسهامات فكرية
تمتد خبرة الدكتورة زروق لتشمل التأثير في السياسات العالمية، حيث شاركت كخبيرة في صياغة العديد من الوثائق المتعلقة بالإدارة العمومية و الحكامة الفعالة وأهداف التنمية المستدامة على مستوى هيأة الأمم المتحدة: www.unpan.org
https://publicadministration.desa.un.org/intergovernmental-support/cepa /
و ساهمت بشكل فعال في قيادة فريق عمل دولي مشترك بين إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة /(UNDESA) من خلال مديرية المؤسسات العامة و الحكامة الرقمية من جهة، والرابطة الدولية لمدارس ومعاهد الإدارة (AIEIA) التي تترأسها، و ذلك لتحديث “معايير التميز في التدريس والتدريب للإدارة العامة” و الأخذ بعين الاعتبار أهداف التنمية المستدامة و مبادئ الحكامة الفعالة و كدا التحول الرقمي.
publicadministration.desa.un.org / https://publicadministration.desa.un.org/undesaiasia-review-and-upgrade-standards-excellence-public-administration-education-and-training
للدكتور زروق العديد من المؤلفات والمقالات والمنشورات، منها كتاب “التجارة والتنمية: من الجات (GATT)إلى منظمة التجارة العالمية” بمقدمة من طرف السيد باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، الصادر سنة 2008 بالرباط و الدي تم توزيعه على نطاق واسع، خاصة بأفريقيا.
تكريم رفيع المستوى و اعتراف محلي و دولي وافريقي
حظيت مسيرة الدكتورة نجاة زروق بتقدير عالٍ، حيث نالت “وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة” من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، دام له النصر و التمكين عام 2013.
كما حصلت على “جائزة الأمم المتحدة للخدمة العامة” عن فئة المساواة بين الجنسين، سنة 2013 بالمنامة، بمملكة البحرين.
و حصلت بباريس بفرنسا على “جائزة OP Dwivedi” من الرابطة الدولية لمدارس ومعاهد الإدارة (IASIA) سنة 2015، لتكون أول امرأة عربية ومغربية تنال هذا الشرف، و دلك لمساهمتها المتميزة في الإدارة العامة والسياسة العامة في العالم.
بالإضافة إلى حصولها على “الميدالية الذهبية“ من الرابطة الإفريقية للإدارة العمومية والإدارة (AAPAM)، كأول امرأة إفريقية تحظى بهذا التكريم.
و تقدم هذه الجائزة المرموقة التي تأسست سنة 2005، للأفراد الذين يُقدمون قيادةً متميزةً ومساهماتٍ قيّمة في تطوير الإدارة العامة والإدارة في أفريقيا. كما تُكرّم التميز وتُعزز الاحترافية في الخدمة العامة في أفريقيا. وقد تكريم الدكتورة زروق خلال مؤتمر الجمعية المنعقد في مدينة كابرون، ببوتسوانا سنة 2018.
رؤية مستقبلية مستدامة مبنية على مبادئ و قيم النزاهة و الحكم الرشيد
و تتمتع الدكتورة زروق بقيادة تحويلية و جريئة راسخة من أجل ترسيخ المؤسسات التي ساهمت في بنائها أو البرامج التي تشرف عليها، مع تعزيز الشراكات متعددة الفاعلين و على جميع مستويات الحكامة، ودمج الابتكار والتحول الرقمي في جميع هده المبادرات. وتؤكد دوماً على أهمية ترجمة القرارات السياسية إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع، لضمان أن تساهم سياسات اللامركزية والتنمية المحلية في تحسين جودة حياة و رفاه المواطن الإفريقي و تحقيق التنمية المستدامة التي تسعى الى عدم ترك أي أحد على الهامش.
خاتمة
تمثل الدكتورة نجاة زروق نموذجاً ملهماً للمرأة المغربية و العربية والإفريقية، جمعت بين الخبرة العملية العميقة، والتأثير السياسي الدولي، والمعرفة الدقيقة بتحديات الحكامة الفعالة و التنمية المحلية المستدامة. مسيرتها هي شهادة حية على كيف يمكن للقيم الراسخة، و التعليم و التكوين الجيد والعمل الدؤوب، والرؤية الاستراتيجية أن تسهم في صناعة تغيير حقيقي، يجعل من “الإدارة العامة” رافعة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة للجميع في إفريقيا.
الدكتورة نجاة زروق هي ابنة أحد قدامى المحاربين في الجيش الفرنسي وضابط صف أول في القوات المسلحة الملكية المغربية، وأرملة قائد طبي في القوات المسلحة الملكية، وأم لابنة واحدة.
