استعرض رئيس الحكومة المغربية، في جلسة مساءلة شهرية بمجلس المستشارين، التقدم المحرز في ورش تعميم الحماية الاجتماعية، مؤكداً أن هذه الإصلاحات تشكل ركيزة أساسية لتوطيد مقومات الإنصاف والتماسك الاجتماعي في المملكة. وأشار إلى أن هذا المشروع الملكي الكبير يهدف إلى إدماج جميع المغاربة في منظومة حماية اجتماعية شاملة، والحد من مخاطر الإقصاء والهشاشة التي تواجه الأسر المغربية.
تعميم التغطية الصحية الإجبارية: إنجاز غير مسبوق
شهدت منظومة التغطية الصحية الإجبارية توسعًا كبيرًا لتشمل جميع الأسر المغربية، مرتكزة على مبادئ التضامن والتعاضد وتقليص الفوارق المهنية والمجالية. وقد قامت الحكومة بخطوات جريئة لدمج 4 ملايين أسرة إضافية في نظام “أمو-تضامن” (AMO-TADAMON)، ليصل إجمالي المستفيدين وذوي حقوقهم إلى ما يقارب 11 مليون شخص. ويتمتع المستفيدون من هذا النظام بمجانية التطبيب والاستشفاء في المؤسسات العمومية، وخدمات مماثلة لتلك التي يقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) عند العلاج في القطاع الخاص. وتلتزم الدولة بتغطية اشتراكات هذه الأسر بنحو 9.5 مليار درهم سنوياً لضمان استدامة النظام.
منذ تفعيل نظام “أمو-تضامن” حتى مارس 2025، تم إيداع أكثر من 14 مليون ملف طبي، منها 300,000 ملف تتعلق بالأمراض المزمنة والمكلفة، وتمت تصفية حوالي 12 مليون ملف بغلاف إجمالي يفوق 17 مليار درهم. كما تم إدماج العمال غير الأجراء والمستقلين (TNS) في التأمين الصحي، حيث بلغ عدد المستفيدين حوالي 3.5 مليون شخص، وتمت تصفية 3.6 مليون ملف بقيمة 4 مليارات درهم حتى أبريل الماضي. إضافة إلى ذلك، تأسس نظام “أمو-الشامل” ليشمل أكثر من 313,000 شخص وفئات جديدة لم تكن مشمولة سابقًا.
برنامج الدعم الاجتماعي المباشر: نقلة نوعية في محاربة الهشاشة
يُعد برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي تم تعميمه بناءً على التوجيهات الملكية السامية، خطوة محورية لمعالجة مظاهر العجز الاجتماعي للأسر. يهدف البرنامج إلى تقديم دعم شهري للأسر المؤهلة لا يقل عن 500 درهم، ويمكن أن يصل إلى 1200 درهم حسب تركيبة الأسرة ووضع أفرادها. وقد خصصت الحكومة 25 مليار درهم لهذا البرنامج في 2024، و26.5 مليار درهم للسنة الجارية، و29 مليار درهم بحلول عام 2026، مما يجعل المغرب يحتل المرتبة الثانية أفريقيًا في تخصيص حوالي 2% من ناتجه الداخلي الإجمالي لتمويل هذا البرنامج.
منذ إطلاق المنصة الرقمية www.asd.ma في دجنبر 2023، استفاد حوالي 4 ملايين أسرة تضم 12 مليون شخص، منهم 3.2 مليون أسرة تستفيد أيضًا من التأمين الصحي الإجباري. وتجاوز عدد الأطفال المستفيدين من الدعم المباشر 5.5 مليون طفل، بينما استفاد أكثر من مليون شخص تزيد أعمارهم عن 60 عامًا من دعم اجتماعي شهري، يهدف إلى حفظ كرامة كبار السن ودعم قدرتهم الشرائية.
ولدعم التمدرس وتقليص الأعباء المدرسية، تم إطلاق “الدعم الإضافي الاستثنائي” خلال الموسم الدراسي الحالي، مستهدفًا 1.8 مليون أسرة تضم أكثر من 3.1 مليون طفل، 61% منهم في العالم القروي. وفي مجال حماية صحة الأم والطفل، تواصل الحكومة صرف منح للولادات الجديدة، استهدفت حوالي 42,800 أسرة حتى نهاية يناير 2025، بغلاف إجمالي يقدر بـ 65 مليون درهم.
وفي سياق دعم الأرامل، تضاعف عدد المستفيدات من هذا النظام بأكثر من 6 مرات مقارنة بنهاية عام 2021، ليصل إلى أكثر من 420,000 أرملة، منهن 330,000 أرملة بدون أطفال لم تكن تستفد سابقًا. ويشمل الدعم أيضًا 87,000 أرملة تعولن 97,000 طفل يتيم، وسيرتفع هذا الدعم تدريجيًا ليصل إلى 400 درهم عن كل طفل متمدرس بحلول عام 2026.
حكامة قوية واستدامة مالية
أكد رئيس الحكومة أن نجاح هذه البرامج يتطلب حكامة مؤسساتية قوية وقدرات تقنية ومالية ولوجيستية عالية. وأشار إلى أن الحكومة اعتمدت رؤية مندمجة لرفع نجاعة هذا المجال. تم إحداث مديرية جديدة مختصة بـ “الشؤون الصحية” في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتعزيز الموارد البشرية بتوظيف 1660 منصبًا جديدًا، وتوسيع التغطية الترابية من خلال افتتاح 174 وكالة ثابتة و65 وكالة متنقلة، إضافة إلى أكثر من 3100 نقطة اتصال بالشراكة مع المؤسسات المالية. كما تم إطلاق 25 حملة تواصلية و8,400 قافلة جهوية و4,200 لقاء مع المنظمات المهنية.
ولضمان الاستدامة المالية لهذه الإصلاحات، قامت الحكومة ببلورة مخطط واضح يعتمد على تنويع وتعبئة الموارد. وتم تجميع مختلف البرامج الاجتماعية السابقة (راميد، دعم الأرامل، تيسير، مليون محفظة، مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها) في صندوق واحد لدعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي. كما تم إقرار مصادر تمويلية إضافية، مثل المساهمة التضامنية للشركات والضريبة الداخلية على الاستهلاك، إضافة إلى الموارد القادمة من المساهمات الإبرائية للأموال والممتلكات بالخارج.
إصلاحات هيكلية متكاملة
لم تقتصر الجهود الحكومية على إقرار المكونات الأساسية للحماية الاجتماعية، بل امتدت لتشمل قطاع الصحة والتعليم. فقد ارتفعت ميزانية قطاع الصحة من 19.7 مليار درهم في 2021 إلى 32.6 مليار درهم في 2025. ويجري تأهيل 1400 مؤسسة للرعاية الصحية الأولية، ووصل عدد المراكز المؤهلة إلى 950 مركزًا، مع مواصلة إنجاز شبكة واسعة من المستشفيات الإقليمية والجامعية. كما اتخذت إجراءات لإعفاء الأدوية الجنيسة من الضريبة على القيمة المضافة لخفض أسعارها، وتقديم منح استثمارية لإنشاء 53 وحدة صناعية متخصصة لتغطية حوالي 70% من الاحتياجات الوطنية من الأدوية.
وفي سياق دعم القدرة الشرائية للمواطنين، تم رصد حوالي 105 مليار درهم من صندوق المقاصة خلال الفترة 2022-2025 لدعم غاز البوتان والسكر والدقيق. كما تم تقديم دعم مباشر لقطاع النقل بقيمة 8.5 مليار درهم، ودعم للمكتب الوطني للكهرباء والماء بقيمة 13 مليار درهم للحفاظ على استقرار فاتورة الكهرباء. وأدت هذه الإجراءات إلى انخفاض نسبة التضخم من 6.6% في 2022 إلى 0.9% في نهاية 2024.
كما تم اعتماد سياسة أجرية عادلة، أسفرت عن زيادات مهمة في الأجور لحوالي 4.25 مليون مواطن، بتكلفة مالية ناهزت 45 مليار درهم بحلول عام 2026. ولدعم ولوج الشباب والنساء إلى سوق الشغل، وضعت الحكومة “خارطة طريق جديدة للتشغيل” بميزانية 15 مليار درهم، تهدف إلى تعزيز القدرة التشغيلية للقطاعات الأساسية.
أخيرًا، حققت عملية دعم السكن اللائق نتائج غير مسبوقة، حيث تم استقبال أكثر من 142,000 طلب حتى نهاية أبريل 2025، وتم دعم 48,000 عملية دعم فعلية للأسر، بغلاف إجمالي يقدر بـ 3.8 مليار درهم. وتؤكد الحكومة أن مشروع الدولة الاجتماعية يمثل نقطة تحول حقيقية في حياة الأسرة المغربية، وسيظل منظومة اجتماعية ترافق المغاربة للعقود القادمة.