شهدت الحكامة الترابية في المغرب، باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، تطورًا ملحوظًا مع اعتماد القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية سنة 2015. تهدف هذه النصوص الطموحة إلى إرساء لامركزية متقدمة، من خلال منح الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات صلاحيات موسعة واستقلالية مالية معززة فيما يعرف بالتدبير الحر. وقد مثلت هذه القوانين منعطفاً هاماً في مسار الحكامة الترابية بالمغرب، حيث أرست أسساً مؤسسية جديدة تقوم على مبادئ أساسية كالقرب من المواطنين، وتعزيز مشاركتهم في صنع القرار المحلي، وتقارب السياسات العامة لضمان فعاليتها وتكاملها. هذا الإطار التشريعي الطموح سعى إلى تمكين الجماعات الترابية من الاضطلاع بدور محوري في تحقيق التنمية الترابية، من خلال منحها صلاحيات واسعة واستقلالية مالية معززة، لتكون بذلك الأدوات المؤسساتية الفاعلة في تلبية احتياجات المواطنين وتحفيز النمو الاقتصادي والاجتماعي على المستوى المحلي.
إلا أن تفعيل هذه الطموحات التشريعية على أرض الواقع تواجه العديد من التحديات التي لا يمكن تجاهلها. فبالرغم من الإطار القانوني الواعد، لا يزال تنفيذ إصلاحات الحكامة الترابية يصطدم بنقص حاد في الموارد البشرية المؤهلة القادرة على تفعيل القوانين الجديدة، بالإضافة إلى مقاومة التغيير من بعض الأطراف التي تسبح عكس تيار الحكامة وعلى رأسهم المنتخبون المتخصصون في تدبير الأصوات الانتخابية على حساب تدبير الشأن العام الترابي.
للتغلب على هذه التحديات المستمرة وإرساء حكامة ترابية أكثر فعالية، يصبح من الضروري تبني مقاربة جديدة ترتكز على تحديث منظومة التدبير الترابي وفق قواعد الممارسات الفضلى في مجالات الحكامة الترابية وتفعيل أدوات التتبع والتقييم ودراسة الأثر. كما يستلزم الأمر استثماراً حقيقياً في بناء قدرات المنتخبين والموظفين الترابيين من خلال برامج تدريبية متخصصة، لأن الاستثمار في الرأسمال البشري يعتبر ركيزة أساسية للتنمية الشاملة والمستدامة في المغرب.
لا بد من الوقوف حاليا على تقييم حصيلة ولايتين من عمر القوانين التنظيمية الترابية لسنة 2015 لقياس درجة النجاعة والأداء فيما يخص إنجاز برامج التنمية الترابية ومناطات الالتقائية فيما بينها ومراجعة أداء وفاعلية جمعيات المجالس الترابية التي لم تستطع لحد الآن أن تبلور تقارير لتقييم تنزيل القوانين التنظيمية التي بلغت عشر سنوات من الوجود، حيث حان الوقت لإنجاز تقييم مرحلي خصوصا قبل سنة الاستعداد للولاية الثالثة من عمر القوانين التنظيمية الترابية.
لقد دق المجلس الأعلى للحسابات أكثر من ناقوس خطر وخصوصا فيما يخص تنزيل ورش الجهوية المتقدمة ولم نرى أو نلاحظ أي أثر لتقاريره على مستوى التنفيذ الفعلي حيث أن تمرين تنزيل الجهوية المتقدمة على ما يبدو بعد مرور خمس سنوات بين مناظرتين لا زال لم يتزحزح عن مكانه.