تشير أحدث الإحصائيات الصادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج عن استمرار تفاقم أزمة الاكتظاظ في المؤسسات السجنية بالمملكة، حيث تجاوز عدد السجناء عتبة الـ 105 آلاف مع بداية عام 2025. ويأتي هذا الرقم الصادم ليؤكد المنحى التصاعدي المقلق الذي تشهده السجون المغربية، بعد أن سجلت في عام 2023 ما مجموعه 102.653 نزيلاً، من بينهم نسبة مرتفعة من المعتقلين الاحتياطيين بلغت 37% (أي 38.552 شخصًا).
وإذا كانت نسبة المعتقلين الاحتياطيين قد شهدت انخفاضًا طفيفًا لتستقر في حدود 31.33% مع بداية العام الجاري، فإن العدد الإجمالي للسجناء المتزايد يظل يشكل ضغطًا هائلاً على البنية التحتية للسجون وظروف الاعتقال، ويثير تساؤلات جدية حول فعالية السياسات الجنائية والإجرائية المتبعة.
الاعتقال الاحتياطي.. قنبلة موقوتة تهدد المنظومة السجنية
يبرز الاعتقال الاحتياطي كأحد أبرز العوامل المساهمة في هذا الاكتظاظ المزمن. فعلى الرغم من الأصوات المتزايدة التي تدعو إلى ترشيده واعتماده كملاذ أخير، تشير الأرقام إلى استمرار اللجوء إليه على نطاق واسع. وهو ما يؤكده خبراء قانونيون وحقوقيون، مشددين على ضرورة تفعيل البدائل المتاحة للاعتقال الاحتياطي، والتي تظل معطلة أو غير مستغلة بالشكل الأمثل.
عقود من التقارير والمبادرات.. والوضع يراوح مكانه
يثير استمرار هذه الوضعية علامات استفهام كبرى حول مآل التقارير العديدة والمبادرات التي تم إطلاقها على مدار العقدين الماضيين بهدف معالجة إشكالية الاكتظاظ. فبدلاً من أن تثمر هذه الجهود حلولًا ملموسة، يبدو أن المشكلة تتفاقم، مما يستدعي وقفة تأمل وتقييم شامل للسياسات المتبعة.
اختلالات هيكلية وممارسات قضائية.. أسباب جذرية للاكتظاظ
يربط مراقبون استمرار أزمة الاكتظاظ السجني بالاختلالات الهيكلية التي تشوب النظام القضائي المغربي، بالإضافة إلى بعض الممارسات التي يتبناها الفاعلون القضائيون. ويرى هؤلاء أن إيجاد حلول مستدامة يتطلب معالجة هذه الأسباب الجذرية، من خلال تبني مقاربة شمولية تدمج إصلاحات قضائية وإجرائية، وتفعيلًا حقيقيًا للبدائل القانونية للعقوبات السالبة للحرية والاعتقال الاحتياطي.
دعوة إلى تغيير جذري في التعاطي مع المشكلة
في ظل هذه المعطيات المقلقة، يصبح من الضروري تبني تغيير جذري في كيفية التعاطي مع ملف الاكتظاظ السجني. فالأمر لم يعد يحتمل حلولًا ترقيعية أو مسكنات مؤقتة. بل يستدعي الأمر تحديدًا دقيقًا للممارسات والعوائق التي تعيق تفعيل البدائل وتساهم في استمرار اللجوء المفرط إلى الاعتقال الاحتياطي. كما يتطلب الأمر تحركًا عاجلًا لمعالجة الاختلالات الهيكلية في المنظومة القضائية، بما يضمن تحقيق العدالة و الأمن، مع الحفاظ على حقوق الأفراد وكرامتهم.
إن معالجة أزمة الاكتظاظ في السجون لم تعد مجرد ضرورة إنسانية وحقوقية، بل أصبحت أيضًا ضرورة أمنية واجتماعية ملحة، تستدعي تضافر جهود جميع الأطراف المعنية من أجل إيجاد حلول عملية وفعالة تنهي هذا الكابوس الذي يثقل كاهل المنظومة العقابية المغربية.